آكلة لحوم البشر كنت متوجهاً في طريقي إلى السوق، وعندما وصلت السوق توجهت لمحلات الجزارة لأشتري اللحم، فرأيت جزاراً فأخبرته بأني أريد لحم وأن يكون من النوعية الجيدة فأخبرني بأن لديه لحم مميز وخاص، فنادى على عماله ليحضروا اللحم المميز الذي لديهم، فحضر عماله وهم يحملون اللحم وكان معلق على كلاليب حديد من أول الذبيحة لآخرها، ولكن يا لطيف ماذا أرى... ما نوع هذا اللحم!!! إنها مفاجأة فعلاً وهل صحيح ما أرى، وهل صدقتني عيناي أم أنّي أتوهم... لا ما رأيته كان صحيحاً، لقد رأيت رجل مذبوح ومسلوخ جلده عن لحمه -والله هذا ما رأيت- وبدأ الجزار بتقليب الرجل الميت ليرى أي جزء مناسب ليقطع منه اللحم ويبيعه لي، فسألته باستغراب: ماذا تفعل وما نوع هذا اللحم؟ فلم يجيب وظل ساكتاً فكررت عليه السؤال مرة أخرى ولكنه لم يجبني أيضاً والتزم الصمت، وبعد طول صمت قطع صمته وقال لي سوف أعطيك من لحم الظهر إنه طيب وسوف يعجبك وقالها وهو يضحك... وبدأ بقطع لحم الظهر ممراً سكينه الطويلة عليه، فطلبت منه راجياً أن يتوقف ويخبرني ما يجري... إني مصدوم وأكاد أن أفقد أعصابي من هول الموقف، وصرخت فيه توقف... توقف... أرجوك أن تتوقف... إني لا أريد اللحم... أرجوك... أرجوك...... وقطع هذه اللحظات العصيبة لحظة الذهول حين وجدت نفسي على الفراش، فحمدت الله كثيراً لأن ما رأيته لم يكن حقيقة، وأن ما رأيته كان بالمنام وهو مجرد حلم مزعج بل كابوس... ولكن لحظة الذهول استمرت لمدة تتجاوز الدقيقتين وأنا أفكر فيما رأيت، واستعذت بالله من الشيطان الرجيم وسألته أن يصرف عني شر هذه الرؤيا. ومرت فترة طويلة على هذه الرؤيا، لقد كنت مصدوماً بها لأنها كانت أقرب للحقيقة ولقد أثرت في نفسي لمجرد شعوري بصدقها، والله كأنني عشتها بالواقع وأنها لم تكن حلم بالمنام، وبقيت أفكر في تفسير ما رأيت، ظل في بالي هاجس بأن هذه الرؤيا هي رسالة لي من رب العالمين عن ذنبٍ اقترفته، فقلت بيني وبين نفسي بأنه يجب أن أسأل مفسر أحلام عن هذه الرؤيا... فقطعت أفكاري وهواجسي مقتنعاً بأن ما رأيته كان رسالة لي من رب العالمين عن ذنب الغيبة التي وقعت في ظلماتها... نعم إنها كذلك فالصدق مع النفس والاعتراف بالذنب وإصلاحه هو الحل و هو أفضل من أن أقنع نفسي بأن ما رأيته ليس تنبيه وتحذير من رب العالمين عن شر الغيبة وويلاتها وأن أستمر في استباحة الكلام عن الآخرين فأهلك وأغرق في ذنب الغيبة وحقوق العباد، وأكدت لنفسي هذا التفسير حين تذكرت قول الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ} [الحجرات: 12] وها أنا أجدد وعدي وعهدي مع الله بأن يغفر لي كل ذنب ومعصية ارتكبتها وأن يريني الحق حقاً ويرزقني إتباعه وأن يريني الباطل باطلاً ويرشدني اجتنابه، وأن يصلح نفسي وأن ينير قلبي بالقرآن والهدى وطريق الرشاد... ياااااااااا رب أغفر ذنبي وأقبل توبتي وأصفح وأعفو عن زلاتي وهفواتي، أنت الله العظيم وأن العبد الفقير بباك فلا تردني خائباً يا كريم، يا أرحم الراحمين يا رب العالمين يا الله. ورسالتي لكل مسلم قرأ قصتي بأن يكُف لسانه عن الآخرين وأن لا يستبيح الكلام عنهم بسوء، وأن يتجنّب الخوض في أعراضهم وأكل لحوم البشر، إنها الغيبة التي وقع في شباكها حتى الصالحين والتي أصبحت فاكهة كل مجلس ولا يكاد مجلس يخلوا منها، بل المصيبة التي وقع بها الكثير من المسلمين ومن كثر تماديهم بالغيبة بدأوا يتطاولون على غيرهم بالسب والشتم ووصفهم بصفات سيئة. فإن كان سبب الغيبة هو أن أساء لك أحدهم بموقف معين من قول أو فعل أو كرهت منه صفة معينة فلقد رأيت بأن تتواجه معه وربما أن يعلوا صوتكم ويحتدّ النقاش بينكم هو أفضل بكثير من أن تغتابه وتشتمه وتلعنه، فحين تغتاب أحدهم في كل مجلس فأنت تنشر عنه الكلام السيء وتسيء له وتُكرّه الناس فيه وتشوّه سُمعته، وحين تغتاب وتسب وتشتم الغير فأنت سيء وأسوء منه خلقاً وتعديته بدرجات كثيرة في السوء، لا بل وربما كلامه أو صفاته التي أزعجتك وتسببت في غيبته لم يكن يقصد بها الإساءة لك بل هي مجرد سوء فهم وينتهي بمجرد مناقشتها معه. وتذكر بأنك حين تغتاب أحدهم فإنك تعطيه من حسناتك فإن فرغت حسناتك طُرحت عليك من سيئاته يوم القيامة. والغيبة هي ذكر الآخرين بما يكرهون في غيابهم ومن دون علمهم، قد عرَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيبة بقوله: {أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته} رواه مسلم وكذلك قال صلى الله عليه وسلم في عذاب من يقع في الغيبة: {لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمِشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم} رواه أبو داود ومعناه أيضاً في مسند الإمام أحمد وكما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة بقوله: {إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً} متفق عليه, كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخبرنا بأن الغيبة تفرِّق بين الناس وتقطع حبال الأخوّة. وأخيراً، تذكر بأن من مكارم الأخلاق وسموّها وعلوّها بأن لا تذكر الناس بسوء فتكون أرفع الناس خلقاً، وأن تصفح وتعفو عمّن أساء لك بالقول فتكون أكرم الناس، وإذا ذُكر أخيك أمامك بسوء فدافعت عنه فتكون أفضل الناس صداقةً. إذا أعجبك هذا الموضوع إدعو لي وتنشره تحياتي للجميع..يرويها احد الش
