رسالة الحجاب
لفضيلة الشيخ :: محمد بن عثيميين :: رحمه الله تعالى
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فلقد بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلّم، بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، بعثه الله لتحقيق عبادة الله تعالى، وذلك بتمام الذل والخضوع له تبارك وتعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتقديم ذلك على هوى النفس وشهواتها. وبعثه الله متمماً لمكارم الأخلاق داعياً إليها بكل وسيلة، وهادماً لمساوىء الأخلاق محذراً
عنها بكل وسيلة، فجاءت شريعته، صلى الله عليه وسلّم، كاملة من جميع الوجوه. لا تحتاج إلى مخلوق في تكميلها أو تنظيمها، فإنها من لدن حكيم خبير، عليم بما يصلح عباده رحيم بهم.
وإن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلّم، ذلك الخلق الكريم، خلق الحياء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلّم من الإيمان، وشعبة من شعبه، ولا ينكر أحد أن من الحياء المأمور به شرعاً وعُرفاً احتشام المرأة وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتن ومواضع الريب. وإن مما لا شك فيه أن احتجابها بتغطية وجهها ومواضع الفتنة منها لهو من أكبر احتشام تفعله وتتحلى به لما فيه من صونها وإبعادها عن الفتنة.
ولقد كان الناس في هذه البلاد المباركة بلاد الوحي والرسالة والحياء والحشمة كانوا على طريق الاستقامة في ذلك فكان النساء يخرجن متحجبات متجلببات بالعباءة أو نحوها بعيدات عن مخالطة الرجال الأجانب، ولا تزال الحال كذلك في كثير من بلدان المملكة ولله الحمد. لكن لما حصل ما حصل من الكلام حول الحجاب
ورؤية من لا يفعلونه ولا يرون بأساً بالسفور صار عند بعض الناس شك في الحجاب وتغطية الوجه هل هو واجب أو مستحب؟ أو شيء يتبع العادات والتقاليد ولا يحكم عليه بوجوب ولا استحباب في حد ذاته؟ ولإزالة هذا الشك وجلاء حقيقة الأمر أحببت أن أكتب ما تيسر لبيان حكمه، راجياً من الله تعالى أن يتضح به الحق، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين الذين رأوا الحق حقّاً واتبعوه ورأوا الباطل باطلاً فاجتنبوه فأقول وبالله التوفيق:
اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه كتاب ربك تعالى، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلّم، والاعتبار الصحيح، والقياس المطرد:
__________________
أولا: أدلة القرآن
أولا: أدلة القرآن
فمن أدلة القرآن:
* الدليل الأول: قوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ أَوِ التَّـابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. (النور: 31).
وبيان دلالة هذه الاية على وجوب الحجاب على المرأة عن الرجال الأجانب وجوه:
1 ـ أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه؛ لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتصال. وفي الحديث: «العينان تزنيان وزناهما النظر». إلى أن قال: «والفرج يصدق ذلك أو يكذبه»(1). فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
ثانياً: أدلة السنة
وأما أدلة السنة فمنها:
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم»(4). رواه أحمد.
قال في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح. وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلّم، نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة إذا نظر من مخطوبته بشرط أن يكون نظره للخطبة، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع به نحو ذلك.
فإن قيل: ليس في الحديث بيان ما ينظر إليه. فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر فالجواب أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه وما سواه تبع لا يقصد غالباً. فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «لتلبسها أختها من جلبابها»(5). رواه البخاري ومسلم وغيرهما. فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لا تخرج المرأة إلا بجلباب، وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج. ولذلك ذكرن رضي الله عنهن هذا المانع لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، حينما أمرهن بالخروج إلى مصلى العيد فبين النبي صلى الله عليه وسلّم، لهن حل هذا الإشكال بأن تلبسها أختها من جلبابها ولم يأذن لهن بالخروج بغير جلباب، مع أن الخروج إلى مصلى العيد مشروع مأمور به للرجال والنساء، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لم يأذن لهن بالخروج بغير جلباب فيما هو مأمور به فكيف يرخص لهن في ترك الجلباب لخروج غير مأمور به ولا محتاج إليه؟! بل هو التجول في الأسواق والاختلاط بالرجال والتفرج الذي لا فائدة منه. وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لابد من التستر. والله أعلم.
هنالك من التبس عليهم الأمر في السؤال
الثاني في هذا الموضوع المتعلق بالنقاب
حيث أساءوا فهم كلام فضيلة الشيخ محمد بن
صالح العثيمين ؛ كما لا يخفى أن هنالك من
استغل هذه الفتوى لللإثارة والبلبلة والاحتجاج
على الفتوى بغير علم ..
ولكل هؤالاء يسعدني أن أورد هذا الإيضاحات الهامة :
فبالنسبة للفتوى المشار إليها أعلاه فقد وردت في سياق
إجابة الشيخ على سؤال فيما يلي نصه :
السؤال : في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة بين النساء بشكل ملفت للنظر
وهي ما يسمى بالنقاب , والغريب في هذه الظاهرة ليس لبس النقاب ، إنما
طريقة لبس النقاب لدى النساء ، ففي بداية الأمر كان لا يظهر من الوجه
إلا العينان فقط ثم بدأ النقاب في الاتساع شيئاً فشيئاً فأصبح يظهر مع العينين
جزءاً من الوجه ، مما يجلب الفتنة ، ولاسيما أن كثيراً من النساء يكتحلن
عند لبسه ، وإذا نوقشن في هذا الأمر احتججن بأن فضيلتكم قد أفتى بأن
الأصل فيه الجواز ، فنرجوا توضيح هذه المسألة بشكل مفصل وجزاكم
الله خيراً.
الجواب : لا شك أن النقاب كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وأن النساء كن يفعلنه كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة إذا أحرمت
(لا تنتقب) فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب ، ولكن في وقتنا
هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه ، وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز
وهذا أمر كما قاله السائل مشاهد ، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة
ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه ، بل نرى أنه يمنع منعاً
باتاً وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر ، وأن لا تنتقب ، لأن ذلك
يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه فيما بعد .
وهذه فتوى أخرى تفسر كلامه رحمه الله :
وأما النقاب فلا شك في جوازه شرعاً لأنه كان يستعمل على عهد النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن لو أفتينا به اليوم لتوسع النساء فيه كما
هو الواقع ولا تقتصر المرأة على ما يجوز من النقاب وهو الفتحة بقدر ما
ترى المرأة طريقها فقط بل تتوسع فيه وتفتح فتحةً واسعة تشمل العين والجفن
وبعض الجبهة وبعض الجبين ولا تقتصر المرأة أيضاً على أن تكشف العين
مجردةً عن التحسين بالكحل وغيره لذلك لا نفتي بجوازه وإن كنا نعتقد أنه
جائز لا نفتي بجوازه حمايةً للمرأة من أن تتوسع في ذلك وتكشف ما لا يجوز
كشفه فإذا كان كذلك فالأفضل بلا شك أن تستر وجهها كله.
وهذه إجابة على أحد الأسئلة تؤكد حرصه على أن تغطي المرأة وجهها كله :
سؤال : فضيلة الشيخ : كم طبقة من غطاء الوجه ينبغي أن تضع المرأة
على وجهها ؟ أطبقة واحدة أم اثنتين أم ثلاث أم أربع ؟ أفيدونا بارك الله فيكم ؟
الجواب : الواجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال غير المحارم لها
بأن تستره بستر لا يصف لون البشرة ، سواء كان طبقة أم طبقتين أم أكثر
فإن كان الخمار صفيقاً لا ترى البشرة من خلاله كفى طبقة واحدة ، وإن كانت
لا تكفي زادت اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، والمهم أن تستره بما لا يصف اللون
فأما ما يصف اللون فإنه لا يكفي كما تفعله بعض النساء ، وليس المقصود
أن تضع المرأة شيئاً على وجهها ؛ بل المقصود ستر وجهها فلا يبين لغير
محارمها .
ولفضيلته رسالة اسمها ( الحجاب ) بين فيها الأدلة من الكتاب والسنة
والاعتبار على وجوب ستر المرأة وجهها عن الرجال غير المحارم والزوج ..
وهناك الكثير الكتب والفتاوى والرسائل والمحاضرات التي تؤيد بالأدلة
وجوب ستر وجه المرأة عن الرجال غير المحارم والزوج منها ومنها
على سبيل المثال :
(كتاب عودة الحجاب ) وهو كتاب مطول وفيه ما يشفي العليل ويروي
الغليل في هذا المجال ..
وهذه فتوى فضيلة الشيخ / صالح الفوزان في هذا الشأن :
أرجو أن يكون اللبس قد زال حول هذه المسألة .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
.